إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك.
كتاب الروض المربع الجزء الثاني
82186 مشاهدة
إذا أبى الذمي بذل الجزية أو الصغار أو التزام حكم الإسلام

بسم الله الرحمن الرحيم.
قال الشارح -رحمه الله تعالى-
فصل: فيما ينقض العهد .
فإن أبى الذمي بذل الجزية أو الصغار أو التزام حكم الإسلام، أو قاتلنا.


بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه.
هذا الفصل فيما ينتقض به عهد الذمي الذي أعطيناه عهدا وأعطيناه ذمة، وأمناه على نفسه وعلى ماله وعلى أهله وأولاده، واشترطنا عليه شروطا إذا وفى بها وفينا بما أعطيناه من الأمان، وإذا أخل بها انتقض العهد الذي بيننا وبينه، وأصبح حربيا يحل قتله ويحل ماله. ذكروا هذه الخصال التي ينتقض بها العهد؛ فمنها:
أن يمتنع من بذل الجزية، وهي المال الذي يضرب عليه سنويا - كما تقدم - ويؤديه وهو صاغر؛ لقوله: حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ فإذا امتنع من بذلها انتقض عهده؛ لأنه عوهد على شيء ولم يف به.
ثانيا: إذا امتنع من التزام أحكام الإسلام انتقض أيضا عهده قد تقدم أنه يلزم بأحكام الإسلام، وأن الإمام يأخذهم بحكم الإسلام في النفس والمال والعرض، ويقيم الحدود عليهم فيما يعتقدون تحريمه دون ما يعتقدون حله، فإذا التزم أحكام الإسلام فهو ذمي، وإذا امتنع من تطبيق أحكام الإسلام عليه فهو مرتد منتقض العهد، لا ذمة له ولا عهد.
معلوم أن أحكام الإسلام تنطبق على أهل الإسلام بمعنى أنهم يعاملون أن المسلمين يعاملون مثلا بما يقتضيه تعامل الأحكام الإسلامية؛ ففي الأنفس القصاص. إذا مثلا: أن ذميا قتل ذميا فحُكمنا أنه يقتص للقاتل أي: يقتص من القاتل حكما إسلاميا مع أنه أيضا حكم لهم؛ قال تعالى: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وكذلك في المال والعرض؛ فإذا أتلف أحدهم مالا ألزم بغرامته، سواء كان لمسلم أو لغير مسلم، سواء كان متعمدا أو غير متعمد، يلزمه غرامته. كذلك إذا قذف؛ إذا قذف مسلما أقيم عليه الحد، حد القذف الذي في القرآن يلزمه أن يخضع لإقامة الحد.
وكذلك إذا زنى ولو بذمية يقام عليه الحد الذي هو الجلد مع عدم الإحصان والرجم مع الإحصان، وكذلك التحاكم. إذا تحاكموا إلينا نحكم بحكم الإسلام؛ لقوله تعالى: وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ فنحكم بينهم بكتابنا الذي هو شرعنا إذا تحاكموا إلينا، وإن لم يتحاكموا تحاكموا إلى رؤسائهم لم نطلبهم؛ لقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ خيره بين الحكم والإعراض.
هذا مما ينتقض به عهدهم إذا امتنعوا وقالوا: لا نخضع، لا نخضع لحكم الإسلام.
من أحكام الإسلام إذا كانوا في بلاد المسلمين أن يلتزموا تعاليم الإسلام إذا كانوا فيما بين المسلمين؛ فلا تتبرج نساؤهم فإن امتنعت وتبرجت انتقض العهد، وكذلك لا يظهرون الأكل في رمضان نهارا، إن فعلوا ذلك عنادا انتقض العهد، وكذلك لا يعملون في أوقات الصلاة في حرفهم أو ورشهم أو مصانعهم، فإن فعلوا ذلك؛ لأنه يؤخذ عليهم العهد في البلاد الإسلامية أن لا يعملوا شيئا والناس يصلون؛ إن فعلوا ذلك انتقض العهد؛ لأن هذا مما يؤخذ عليهم التزامه، وكذلك لا يجهرون بكتابهم فيما بين المسلمين ولا ينشرون كتبهم ولا يظهرون الدعاية إلى النصرانية أو إلى اليهودية وهم بين المسلمين.
ولا يفتنون الناس ولا ينشرون شبهاتهم، إن فعلوا ذلك انتقض عهدهم؛لأن هذه تعاليم تنافي شعائر الإسلام، والمسلمون يسوءهم أن يظهر فيما بينهم شيء يخالف شعائرهم، وهكذا إعلاناهم للمحرمات يعتبر أيضا ناقضا ولو كانت مباحة عندهم، فلا يعلنون شرب الخمر ولا بيعها علنا، ولو كانت مباحة في شرعهم كما يقولون، ولا يعلنون أكل الربا ولا المعاملات الربوية مع أنها محرمة عليهم؛ قال تعالى: وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وهكذا أيضا لا يعلنون شيئا فيه تنقص للمسلمين كما سيأتي.
فالحاصل: أن هذه ينتقض بها عهدهم، وسواء كانوا ذميين أو معاهدين أو مستأمنين وهم بين المسلمين؛ لأن الكفار لا يخرجون عن هذه الصفات الأربع: إما أن يكون ذميا؛ وهو الذي يبذل الجزية، وإما أن يكون معاهدا؛ وهو الذي بين المسلمين وبينه عهد كدولة بين المسلمين وبينهم عهد، وإما أن يكونوا مستأمنين؛ وهو الذي يدخل بلاد الإسلام بأمان وإما أن يكونوا حربيين؛ ليس بيننا وبينهم إلا الحرب.